الذين يعلمون والذين لا يعلمون
زميلي في العمل يضع عطراً رائعاً رفض اخباري باسمه. وعبثاً حاولت وترجيت ولكن بدون فائدة. وذات يوم طلب مني خدمة تتجاوز حدود صلاحياته فابتسمت بخبث وقلت: ان اخبرتني باسم العطر اخبرتك بما تريد.. وبالفعل أخبرني فأخبرته!!
.. ايضاً يحكى ان احدى المؤسسات استدعت فنياً لاصلاح جهاز التكييف المركزي. وبعد الفحص ادرك الفني وجود سدد في أحد أنابيب الفريون فأخذ مطرقة وضرب الأنبوب في مكان معين فعاد الجهاز إلى العمل. وحين سأله المدير عن أجور الإصلاح قال: خمسمائة وعشرون ريالاً فقال المدير: كل هذا المبلغ من أجل ضربة واحدة بالمطرقة. قال الفني: لا، عشرون ريالاً من أجل الضرب بالمطرقة، وخمسمائة ريال لأنني أعرف أين أضربها!!.
والآن تمعن معي في هاتين القصتين:
في الحالة الأولى كنت أملك المال لشراء العطر ولكن زميلي تصرف من موقف القوة لأنه يملك معلومة لا أعرفها أنا. وحين احتاج هو إلى معلومة أعرفها انا اصبحت في موقف القوي ـ وبدون الحاجة لانفاق أي مبلغ.. والقصة الثانية لا تبتعد كثيراً عن هذا الإطار؛ فالضرب بالمطرقة لم يكن هو المهم بل خبرة الفني التي جعلته في موقف القوي ومن يحدد السعر!!
* وهاتان القصتان على بساطتهما تفسران كيف ان المعرفة قوة (أو كما يقال في الغرب Knowledge is Power(.. فالمعرفة بحد ذاتها لها تأثير أقوى من المال والسلاح. والدول التي (تعرف) تتفوق بسهولة على الدول التي (لا تعرف) مهما حباها الله من ثروة ومال؛ فحين (تعرف) تقلب الموقف لصالحك وتحدد السعر الذي تريد، وحين لا تعرف ستخدع بسهولة ويؤخذ مالك بسبب جهلك!!
وحين نفكر في الفرق بين الدول العربية والنمور الآسيوية نرى الفرق بين أمماستوردت المعرفة وأخرى وطنتها. فنحن حين نحتاج الى جهاز ما نعمد ببساطة إلى استيراده، وحين تحتاج كوريا وتايوان إلى نفس الجهاز يسعون لفهمه وانتاج مثله!!
ورغم أن دولاً مثل اليابان وكوريا وتايوان تعاني من شح ثرواتها الطبيعية الا انها تملك ثروة معرفية تحول التراب الى ذهب والخردة الى اجهزة الكترونية.. خذ مثلاً مائة كلغم من الحديد يساوي سعرها في السوق 200ريال. اذا عرفت كيف تحول هذه الكمية الى حدوات فرس سيرتفع سعرها الى 2000ريال. واذا حولتها الى ابر خياطة سيرتفع سعرها الى 20000 ريال. واذا حولت نفس الكمية الى زنبركات دقيقة سيرتفع سعرها فجأة الى 200000ريال. واذا استعملت هذه الزنبركات في ساعات ذات شهرة عالمية ستكسب مليوني ريال!.
إذاً، بالمعرفة ارتفع سعر الحديد من مائتي ريال إلى مليونين. وما أتصوره ان جميع الأمم تبدأ بنفس الكمية من "الحديد" ولكن الفرق يحدده ماذا ستفعل لاحقاً بهذه الكمية.. الأمم التي (تعرف) تصدر معرفتها بثمن مرتفع وتتراكم لديها الثروة عاماً بعد عام.. والأمم التي (لا تعرف) تضطر للاستيراد وتستنزف ثروتها الخام عاماً بعد عام!!
يقال إن النفط هو الذي حول أمريكا إلى قوة عظمى في القرن العشرين، وليس لدي أدنى شك ان المعلومات هو ما سيجعلها تحافظ على هذا المركز في القرن الواحد والعشرين..
هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون!؟
تعليقات