يا أم عقيل! السلام عليك.. أعظم الله أجرك في عقيل
.
من وسائل كشف الكربة
العلم بأن الجزع لا يرد المصيبة
إذا أنت لم تَسْلُ اصطباراً وحسبةً
* سلَوْتَ على الأيام مثل البهائم
يذكر ابن الجوزي عليه رحمة الله في عيون الحكايات قال الأصمعي : خرجت أنا وصديق لي إلى البادية ، فضللنا الطريق ؛ فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق ، فقصدنا نحوها ، فسلمنا ؛ فإذا عجوز ترد السلام ، ثم قالت : من أنتم ؟ قلنا: قوم ضللنا الطريق، وأَنِسْنَا بكم ، وقوم جياع. قالت: ولُّوا وجوهكم حتى أقضي من حقكم ما أنتم له أهل . ففعلنا ، وجلسنا على فراش ألْقَتْهُ لنا ، وإذا ببعير مقبل ، عليه راكب ، وإذا بها تقول: أسأل الله بركة المقبل ، أما البعير فبعير ولدي ، وأما راكبه فليس بولدي.
جاء الراكب ، وقال: يا أم عقيل ! السلام عليك.. أعظم الله أجرك في عقيل ، فقالت: ويحك ! أوقد مات عقيل ؟
قال: نعم . قالت: وما سبب موته ؟ قال: ازدحمت عليه الإبل فرمت به في البئر ، فقالت: انزل ، ودفعت له كبشاً ، ونحن مدهوشون ، فذبحه وأصلحه ، وقرَّب إلينا الطعام ، فجعلنا نتعجب من صبرها ؛ فلما فرغنا قالت: هل فيكم أحد يحسن من كتاب الله -عز وجل- شيئاً ؟
فقلنا: نعم . قالت: فاقرءوا عليَّ آيات أتعزَّى بها عن ابني ، قال: قلت: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157]
قالت: آللهِ إنها لفي كتاب الله ؟
قلت: والله إنها لفي كتاب الله.
قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون ، صبراً جميلاً ، وعند الله أحتسب عقيلاً . اللهم إني فعلت ما أمرتني به ؛ فأنجزني ما وعدتني ، ولو بقي أحد لأحد لبقي محمد صلى الله عليه وسلم لأمته.
قال: فخرجنا ، ونحن نقول : ما أكمل منها ولا أجزل ! لما علمت أن الموت لا مدفع له ولا محيص عنه ، وأن الجزع لا يجدي نفعاً ، وأن البكاء لا يرد هالكاً ؛ رجعت إلى الصبر الجميل والرضا بقضاء السميع العليم ، فاحتسبت ابنها عند الله -عز وجل- ذخيرة نافعة ليوم الفقر والفاقة.
ويُذكر أن أعرابياً مات له ولد ، فبكي عليه بكاء عظيماً ، وجزع عليه جزعاً عظيماً ؛ فلما همَّ أن يسلو عن هذا مات له ابن آخر، فقال:
إن أَفِقْ من حزن هاج حزن
* ففؤادي ما له اليوم سكن
فكما تبلى وجوه في الثرى
* فكذا يبلى عليهم من حزن
.
تعليقات